مرة أخرى، يُظهِر منتخب مصر للشباب جوانب القصور والتراجع في الأداء، ولكن هذه المرة لم يكن العيب فقط في اللاعبين، بل في الرؤية الاستراتيجية والقيادة التدريبية أيضًا، بعد الخسارة أمام المغرب في مباراة كانت صادمة للمتابعين.
وبدا واضحًا أن هناك فجوة بين طموحات الجماهير وبين ما يُقدَّم على أرض الملعب، إذ كيف يُتوقع من المنتخب الشاب أن يصمد في مواجهة فرقٍ قوية مثل الجزائر وتونس، بينما يفتقر لأساسيات الاستقرار الفني والمعايير العادلة في اختيار اللاعبين.
وفي خضم الإخفاقات، يتساءل المتابعون والمحللون، أين الخطة التي من المفترض أن تقود منتخبنا إلى منصات التتويج؟
فبدلاً من اختيار مدرب يتمتع بالثبات والرؤية طويلة الأمد، نجد القرارات تُتخذ دون دراسة شاملة لمستوى المدرب وتاريخه، فقد سبق أن خسر ميكالي أمام المغرب بنتيجة ثقيلة (6-0) حينما كان مسؤولًا عن المنتخب الأوليمبي.
ورغم ذلك، يتم تكليفه مجددًا ليقود فريق الشباب في مباراة جديدة أمام نفس الفريق دون أن يظهر تحسن واضح في أداء المنتخب.
أما في عملية اختيار اللاعبين، يبدو أن سياسة “الفهلوة” والاعتماد على العلاقات أصبحت سائدة، فمدرب المنتخب، للأسف، لا يحضر مباريات الأندية لمراقبة اللاعبين بنفسه.
ولا يعتمد على فريق سكاوتنج (scouting) محترف يختار المواهب الشابة وفق معايير واضحة، بينما نجد منتخبات أخرى في القارة تعمل بجدية لتطوير منظومتها، يبقى منتخبنا الشاب أسيرًا لمنظومة اختيار ضعيفة تفتقر إلى الاحترافية والنظام.
إن مشكلة المنتخب المصري للشباب ليست في الخسارة وحدها، بل في عدم وجود رؤية تُبنى على أسس سليمة، ما يحدث اليوم ليس مجرد نتيجة مباراة، بل انعكاس لواقع سيستمر طالما لم نواجه الحقائق.
ضعف القيادة الفنية وتكرار الأخطاء
تُعدّ القيادة الفنية لمنتخب مصر للشباب أحد أبرز العوامل التي أثرت بشكل سلبي على أداء الفريق في الفترة الأخيرة، فعندما نستعين بمدرب كميكالي، الذي سبق له الخسارة أمام المغرب بنتيجة (6-0) خلال قيادته للمنتخب الأوليمبي، دون إجراء أي تغيير جوهري في استراتيجياته أو تعديل في خططه، فإننا نكرر نفس الأخطاء ونتوقع نتائج مختلفة، هذا التصرف لا يعبر عن فهم حقيقي لأهمية الاستقرار الفني وبناء الثقة بين اللاعبين والمدرب، بل يعكس نوعًا من “التخبط الإداري” الذي يعاني منه منتخب الشباب.
ميكالي، برغم كونه مدربًا ذو خبرة، يبدو أنه يفتقر للتأقلم مع أسلوب اللعب الأفريقي ومع طبيعة اللاعبين المصريين الشباب، قراراته التكتيكية في المباريات وعدم قدرته على قراءة المنافسين بشكل جيد يؤكدان أن الخبرة لا تُقاس فقط بعدد السنوات، بل بمدى القدرة على التكيف مع متغيرات المباريات، كان من المفترض أن تكون هناك دراسة دقيقة لخسارته السابقة ضد المغرب، فلماذا لم تُتخذ إجراءات لعدم تكرار نفس الأخطاء؟ هذا التساؤل يفتح الباب على مصراعيه لمناقشة الاستراتيجيات التي يتم اتباعها في الاتحاد المصري لكرة القدم.
غياب النظام في اختيار اللاعبين
من العوامل الأخرى التي تعوق تطور منتخب الشباب هي آلية اختيار اللاعبين، الاعتماد على العلاقات الشخصية والمحسوبية بدلًا من الكفاءة أضر كثيرًا بجودة اللاعبين المختارين، كم من لاعبٍ موهوب لم يتم اختياره فقط لأن شخصًا آخر حصل على مكانه بناءً على علاقاتٍ وليس على الأداء، ومع ذلك، المدرب ميكالي لم يظهر اهتمامًا واضحًا بمتابعة المباريات المحلية واكتشاف المواهب الجديدة، ويعتمد على تقارير غير دقيقة دون أن يتأكد بنفسه من جدارة اللاعبين الذين يمثلون المنتخب.
من غير المعقول ألا يتم اختيار اللاعبين بناءً على معايير موضوعية مثل الأداء في الدوري ومهارات اللاعبين وتطورهم الفني، غياب “السكاوتنج” (scouting) هو خطأ فادح في المنظومة الحالية، لأن السكاوتنج الاحترافي يمكن أن يوفر قاعدة بيانات قوية عن اللاعبين الذين يستحقون الانضمام للمنتخب، ومع غياب هذه الآلية، تظل آلية اختيار اللاعبين عشوائية وتفتقر للمنطق، ما يُضعف من فرص المنتخب في المنافسة بقوة.
محمد زعلوك واختيار اللاعبين.. أين المعايير؟
من الأمثلة البارزة على سوء الاختيار في المنتخب هو اللاعب محمد زعلوك، لم يظهر هذا اللاعب كأحد أفضل اللاعبين في قطاع الناشئين ولم يكن هدافًا، بل هناك العديد من اللاعبين الذين حققوا أرقامًا وإحصاءات متميزة لم يتم اختيارهم، بينما تم اختيار زعلوك دون أن يكون لديه سجل كبير يؤهله للعب في البطولة الحالية، هذه النوعية من الاختيارات توضح الخلل الكبير في منظومة اختيار اللاعبين وعدم اتباع معايير حقيقية تعتمد على الأداء والمهارات الفردية.
مقارنةً بما يقوم به مدربون آخرون مثل وائل رياض، الذي يقوم بحضور مباريات دوري منطقة الجيزة والقاهرة بنفسه ويختار اللاعبين بناءً على مستوياتهم في أرض الملعب، نجد أن ميكالي لا يظهر نفس الاهتمام ولا يبذل جهدًا لمتابعة المباريات عن كثب، هذه المقارنة تبرز التناقض الواضح بين المدربين وتجعلنا نتساءل عن معايير الاتحاد في تعيين الأشخاص المؤهلين لتدريب المنتخبات الوطنية، وعن أهمية حضور المدرب للمباريات لاكتشاف المواهب بنفسه.
الفهلوة والمحسوبية بدلاً من النظام
مما يثير القلق أيضًا هو تأثير “الفهلوة” والمحسوبية على اختيارات المنتخب، بدلًا من أن يكون هناك نظام صارم ومعايير واضحة يعتمد عليها المدرب، نجد أن العلاقات الشخصية تتحكم في الاختيارات، على سبيل المثال، عدد من اللاعبين لا يظهرون على قائمة المنتخب رغم تفوقهم الواضح في الدوري، بينما يتم اختيار آخرين ليس لديهم سجل مميز في المواسم السابقة، ويبدو أن المعايير الشخصية هي ما يتحكم في الاختيارات، وهذا أمر خطير لا يتناسب مع مكانة المنتخب ولا مع تطلعات الجماهير.
هذه المحسوبية لا تؤدي فقط إلى تدهور مستوى المنتخب، لكنها تحبط أيضًا الكثير من اللاعبين الشباب الذين يفقدون الثقة في النظام الكروي بالكامل، عندما يرى اللاعبون أن الأداء والتميز لا يتم مكافأتهما، بل تذهب الفرص لأشخاص آخرين بناءً على العلاقات وليس الأداء، فإنهم يشعرون بالإحباط، ويفقدون الأمل في تطوير مسيرتهم الكروية، هذا الواقع يتطلب معالجة جذرية من الاتحاد المصري لكرة القدم إذا أراد بناء منتخبٍ قويٍ قادر على المنافسة.
غياب الرؤية والطموح للمستقبل
في عالم كرة القدم اليوم، لا يمكن تحقيق النجاح دون وجود رؤية واضحة وخطة طويلة الأمد، لا بد من وجود منظومة مبنية على أسس علمية لاختيار اللاعبين وتجهيزهم، كما أن غياب الرؤية التنظيمية في المنتخب يعكس ضعف الطموح، دون بناء منتخب قوي مبني على معايير واضحة وثابتة، سيظل منتخب الشباب عاجزًا عن تحقيق أي إنجاز يذكر على المستوى الأفريقي أو العالمي، ولنا في المنتخبات الأفريقية الأخرى مثال، حيث يتابع المدربون المحليون اللاعبين عن كثب، ويضعون معايير محددة تضمن اختيار أفضل المواهب فقط.
ينبغي أن تركز الرؤية المستقبلية على بناء نظام يعتمد على الشفافية والنزاهة في اختيار اللاعبين، وعلى تكوين فرق سكاوتنج محترفة تعمل على اكتشاف اللاعبين من جميع الأندية، وليس فقط الأندية الكبرى، هذه الفرق يمكن أن تشكل قاعدة بيانات دقيقة للمواهب وتوفر للمدرب نظرة شاملة عن الخيارات المتاحة له، وتضمن للمنتخب أن يمثل أفضل اللاعبين دون محاباة.
متى نستيقظ؟
الوضع الحالي للمنتخب الشاب يعكس الحاجة الملحة لإصلاح المنظومة ككل، من اختيار اللاعبين إلى التدريب وإعداد الخطط، لقد بات من الضروري أن يتم تقييم أداء المدرب بموضوعية ومراجعة اختياراته ومحاسبته على نتائجه، لا يمكن توقع تحقيق نتائج إيجابية إذا استمررنا في تكرار نفس الأخطاء دون محاولة تحسين الأوضاع، فكما قال أينشتاين: “الغباء هو تكرار فعل نفس الشيء وتوقع نتائج مختلفة”.
ينبغي أن تستيقظ الجهات المسؤولة على هذه الحقائق وتبدأ في اتخاذ خطوات جادة لتغيير المنظومة، يجب أن يكون هناك استثمار في تطوير الكوادر الفنية، وتطوير آلية اختيار اللاعبين لتكون عادلة وتعتمد على معايير موضوعية، إذا أردنا رؤية منتخب ينافس ويحقق إنجازات فعلية، علينا أن نتبنى التغيير ونمنح الفرصة للمواهب الحقيقية كي تُظهر إمكانياتها، ونتأكد من أن المنتخب يعتمد على لاعبين موهوبين ومدربين قادرين على تقديم الإضافة.